إذا كنت باحثًا في العلوم الاجتماعية، فمن المحتمل أن تكون قد
صادفت مصطلح "نماذج البحث". وإذا كنت باحثًا في مجال علوم أخرى، فمن
المرجح أنك في حيرة من أمر مفهوم هذا المصطلح. يثير هذا تساؤلًا حول ما هو بالضبط
نموذج البحث؟ ما علاقة ذلك ببحثي؟ لماذا هو مهم؟
يُشار إلى المعتقدات والافتراضات التي تكوّن هيكل دراستك باسم
نماذج البحث. يمكن أن تكون هذه جوانب أو خصائص من تخصصك أو حتى وجهات نظرك
الشخصية. على سبيل المثال، إذا كنت باحثًا فيزيائيًا تُجري بحثًا حول أداء محفز
مطور حديثًا لإزالة الشوائب الكيميائية من مياه الشرب، فمن المرجح أن تستند دراستك
إلى فرضية أن هناك حقيقة واحدة فقط، وستظهر نتائجك أن المنتج الجديد إما يعمل بشكل
أفضل أو لا يعمل. ومع ذلك، إذا كان تخصصك البحثي هو التعليم وكنت تبحث في آثار
معدلات معرفة الوالدين بالقراءة والكتابة على معرفة القراءة والكتابة أو النجاح الأكاديمي
لدى أطفالهم، فلن تتوقع مثل هذه النتيجة المحددة، وقد تفحص موضوعك من وجهات نظر
مختلفة، من النواحي الثقافية أو الاجتماعية والاقتصادية. ستتأثر استنتاجاتك بعد
ذلك بهذه الافتراضات والمعتقدات والتحيزات.
سيحاول الجزء المتبقي من هذه المقالة توضيح مفهوم نماذج
البحث، وتقديم مفهوم لنماذج البحث، كذلك ذكر بعض الأمثلة لأنواع عديدة من نماذج
البحث. في حين أن سنوات من البحث قد لا توضح تمامًا ارتباكك فيما يتعلق بنماذج
البحث، فقد تفكر بشكل أفضل منها لمعرفة لكيفية مساعدتك في مهنتك وربما حتى في
حياتك الشخصية.
ما هو بالضبط نموذج البحث؟
وفقًا لقاموس ميريام ويبستر Merriam-Webster، فإن النموذج هو
"إطار فلسفي ونظري لمدرسة علمية أو تخصص، يتم من خلاله صياغة النظريات
والقوانين والتعميمات، فضلًا عن التجارب التي يتم إجراؤها لدعمها."1 كما هو
مطبق في سياق البحث، فإن نموذج البحث research
paradigm هو نظرة عالمية أو إطار فلسفي
يؤثر على عملية الدراسة، ويشمل الأفكار والمعتقدات والتحيزات والأحكام المسبقة.
يؤثر نموذج البحث الذي توضع فيه الدراسة على كيفية إجراء البحث.
وبالتالي، فإن نموذج البحث هو الإطار الذي تتناسب فيه نظريات
وممارسات تخصصك لتشكيل خطة البحث. يوجه هذا الأساس جميع جوانب استراتيجية وخطة
البحث الخاصة بك، بما في ذلك الهدف من الدراسة، وطبيعة سؤال البحث، والأدوات أو
التدابير والقياسات المستخدمة، وإجراءات وطرق التحليل.
تستند غالبية نماذج البحث إلى أحد نوعين من النماذج: الوضعية positivism أو التفسيرية interpretivism. هذه بمثابة
الأساس للنظريات والإجراءات والمنهجيات المستخدمة في الدراسة. بشكل عام، تعطي
نماذج البحث الوضعي نتائج كمية، في حين أن نماذج البحث التفسيرية تعطي نتائج
نوعية. بالطبع، كلا النوعين من نماذج الدراسة لهما العديد من الاختلافات، بعضها
ينتج عنه دراسات مختلطة الأساليب.
ما هي ركائز نموذج البحث الثلاثة؟
إذن، قد تتساءل الآن ما الذي يشكل بالضبط نموذج البحث؟ كيف
يتم إنشاؤه وتصنيفه؟ هناك ثلاث ركائز تدعم إطار نموذج البحث: الأنطولوجيا ontology، ونظرية المعرفة epistemology، والمنهجية methodology. لقد بدأ بعض
الباحثين مؤخرًا في دمج ركيزة إضافية في نماذج البحث: الأخلاق أو علم الأكسيولوجيا
axiology. ومع ذلك، سيغطي
هذا المقال الخصائص التقليدية الثلاث فقط، والتي تشكل معًا نماذج البحث وتوفر
الأساس الذي يبني عليه مشروعك البحثي.
تُعرف دراسة طبيعة الواقع باسم الأنطولوجيا. هل هناك حقيقة
واحدة، أو عدة حقائق، أم لا حقيقة على الإطلاق؟ هذه هي الأسئلة التي تسعى الفلسفة
الأنطولوجية إلى معالجتها. هناك نتيجتان فقط يمكن تصورهما للإجابة على مثل هذه
الأسئلة: نعم أو لا.
ضع هذا في اعتبارك دراستك البحثية؛ أي هل يحتوي بحثك على
حقيقة واحدة؟ إذا كنت باحثًا طبيًا، فمن المحتمل أن تكون إجابتك نعم. أنت تبحث عن
نتائج محددة من الناحية المثالية، تشمل ردود واضحة بنعم أو لا. إذا كنت من علماء
الأنثروبولوجيا، فعادةً ما يكون هناك أكثر من إجابة وحقيقة واحدة وواضحة يمكن
تصورها لسؤال البحث الخاصة بك، ويتم تفسير نتائج الدراسة من خلال نظرة الباحث
للعالم أو النموذج.
تُعرف نظرية المعرفة بدراسة كيف يمكننا معرفة الواقع. هي
تتضمن نطاق وطرق الحصول على المعلومات واكتساب المعرفة، وكذلك كيفية التحقق من صحة
تلك المعرفة. "كيف يمكن معرفة وجود شيء ما أم لا؟" هو سؤال يتم
الاستشهاد به غالبًا في نظرية المعرفة.
ستؤثر نظرية المعرفة الخاصة بمشروعك البحثي على طريقة مقاربتك
لبحثك وتحديد نهجك به. على سبيل المثال، إذا كان الباحث الطبي يؤمن بحقيقة واحدة،
فسيتم استخدام نهج موضوعي. من ناحية أخرى، إذا كان عالم الأنثروبولوجيا يؤمن
بحقائق مختلفة كما تُرى من خلال عدسة ثقافية، فإن نتائج البحث ستكون أكثر ذاتية
ومفهومة فقط في سياقها المناسب. يميز هذا الاختلاف الدراسات البحثية إلى تلك التي
تستخدم التقنيات الكمية والنوعية.
في حين أن المنهجية هي دراسة كيف يبحث الناس عن محيطهم –
التحقيق في البيئة - والتحقق من صحة النتائج والمعرفة المكتسبة التي توصلوا إليها.
يحاول تقديم الإجابة على السؤال "كيفية الشروع في اكتشاف الإجابة /
الحقيقة". يؤدي الاهتمام بهذه الركيزة إلى خطط محددة لجمع البيانات المتخصصة
وتحليلها.
قد يضع الباحث الطبي استراتيجية دراسة تتضمن تجربة سريرية،
يتم فيها إجراء اختبارات الدم لقياس بروتين معين. يتم تقييم هذه النتائج وتحليلها
لاحقًا، مع التركيز على الاختلافات بين المجموعات. من ناحية أخرى، قد يقوم عالم
الأنثروبولوجيا بإجراء ملاحظات أو تحليل القطع الأثرية وفحصها أو إجراء مقابلات؛
من أجل التأكد من جوانب محددة من الواقع في إطار ثقافة المجموعة. في هذه الحالة،
لا يتم البحث عن إجابات بنعم أو لا، بل يتم اكتشاف الحقيقة.
ما هي أهداف نماذج البحث؟
عندما تجمع كل المعارف المتعلقة بالركائز الثلاث لنموذج البحث
معًا، يمكنك فهم الغرض من نماذج البحث. تحدد نماذج البحث إنشاء هيكل والأساس
للمشروع البحثي.
بعد تحديد نموذج البحث، يمكن وضع خطة بحث مقبولة. يوجه الأساس
الفلسفي للدراسة كل من المعرفة المطلوبة، وكيف يمكن اكتشاف تلك المعرفة، وكيفية
تشكيل المعلومات أو البيانات المكتسبة في المعرفة المطلوبة. يحدد نموذج البحث
بوضوح المسار الذي ستتخذه لدراسة موضوعك. يسهم هذا في توضيح البحث الخاص بك، ويزيد
من جودة المنهجية والتحليلات الخاصة بالبحث.
علاوةً على ذلك، يجب على الباحثين التعرف على كيفية تأثير
وجهات نظرهم الشخصية وتصوراتهم المسبقة وتحيزاتهم على عملية الدراسة. سيؤثر منظور
الباحث للعالم على جمع البيانات ومعالجتها وتفسيرها في الدراسة. تساعد معرفة نموذج
البحث الأساسي وكيفية تأطير الدراسة الباحثين على فهم أفضل لمدى تأثير منظورهم على
نتائج الدراسة.
أنواع مختلفة من نماذج البحث
كما ذكرنا سابقًا، هناك نوعان أساسيان من نماذج البحث، التي
يتم من خلالها تكوين نماذج إضافية شائعة الاستخدام. سيقدم هذا القسم لمحة موجزة عن
هذين النموذجين من الدراسة الأولية.
النموذج الوضعي Positivist paradigm: يعتقد مؤيدو هذا النموذج أن هناك حقيقة واحدة يمكن قياسها
وفهمها. لذلك، يميل هؤلاء الباحثون إلى استخدام المنهجيات الكمية في أبحاثهم.
غالبًا ما تبدأ عملية البحث للدراسات النموذجية الوضعية بصياغة فرضية تجريبية يتم
دعمها أو رفضها لاحقًا من خلال جمع البيانات وتحليلها. يتعامل الوضعيون مع البحث
بموضوعية، ويتحققون علميًا من وجود روابط كمية بين المتغيرات، بدلًا من البحث عن
تفسيرات وأسباب نوعية لتلك الروابط. يشعر الباحثون الذين يتبعون هذا النموذج أنه
يمكن تطبيق نتائج دراسة واحدة وتعميمها على مواقف مماثلة. إن علماء الفيزياء هم
الأكثر احتمالًا واستخدامًا للنماذج الوضعية.
النموذج التفسيري Interpretivism paradigm: يرى أنصار هذا النموذج "المفسرون" أن هناك حقائق
مختلفة وليست واحدة. يستخدم الجزء الأكبر من التحقيقات النوعية في العلوم
الاجتماعية هذا النموذج البحثي. لأن السلوك البشري معقد للغاية، تؤكد التفسيرية
أنه لا يمكن دراسته من هلال النماذج الاحتمالية، مثل تلك المستخدمة في النماذج
الوضعية. فقط يمكن خلق المعرفة من خلال تحليل المعاني، التي يضعها الناس على
السلوكيات والأحداث. ونتيجةً لذلك، فإن الدراسات التي تستخدم هذا النموذج هي حتمًا
ذاتية وتتأثر بشدة بوجهة نظر الباحث الشخصية. تُجرى الدراسات في نموذج التفسير ضمن
العالم الحقيقي للأشخاص الذين تتم دراستهم، وليس في بيئة خاضعة للرقابة مثل
المختبر. بسبب طبيعة الدراسات التفسيرية، غالبًا ما تقتصر نتائجها على الظروف
المحددة للدراسة وليست قابلة للتعميم.
أمثلة على نماذج البحث
إن نموذجي البحث الرئيسيين هما نماذج البحث الوضعية
والتفسيرية، والتي تُعرف أحيانًا بالنماذج الكمية والنوعية. ومع ذلك، تم استخدام
العديد من المتغيرات والاختلافات الأخرى. فيما يلي وصف موجز لبعض الاختلافات في
نماذج الدراسة الأكثر شيوعًا.
نموذج البراغماتية Pragmatism paradigm - يعتقد
البراغماتيون أن الواقع يتغير دائمًا وسط تدفق الظروف والمواقف المتغيرة باستمرار.
نتيجةً لذلك، بدلًا من استخدام نموذج بحث واحد، فإنهم يطبقون الإطار الأنسب على
سؤال البحث الذي يقومون بفحصه. نظرًا لتكامل المناهج الوضعية والتفسيرية، يتم
استخدام كل من المنهجيات النوعية والكمية بشكل متكرر. يجادل البراغماتيون بأن
طريقة البحث المثلى هي الطريقة التي تعالج سؤال وقضية البحث بشكل أكثر فاعلية.
النموذج البنائي Constructivist paradigm – إن البنائيون مثل المفسرين، يؤمنون بعدة حقائق بدلًا من وجود حقيقة واحدة.
وفقًا للنموذج البنائي، يطوّر البشر فهمهم الخاص للعالم من خلال تجربته والتأمل
فيه. تهدف الدراسة البنائية إلى فهم التفسيرات التي يضعها الناس على تجاربهم.
لذلك، يتم استخدام التقنيات النوعية بما في ذلك المقابلات ودراسات الحالة بشكل
شائع. يهدف البنائيون إلى فهم "سبب" الأحداث. إن البنائية هي نظرية تعلم
شائعة أخرى تركز على كيفية توليد الأطفال والمتعلمين الآخرين للمعرفة من تجاربهم
والتعلم بشكل أكثر فعالية من خلال الاستكشاف والتجريب أكثر من التعلم المباشر.
نموذج ما بعد الوضعية Post-positivism
paradigm- يرفض أنصار ما بعد الوضعية
مفهوم الواقع باعتباره يقينًا مطلقًا لصالح نهج أكثر احتمالية، وبالتالي هم يتخذون
وجهة نظرة أكثر ذاتية. إنهم يعتقدون أن نتائج الدراسة لا يمكن أبدًا أن تكون
محايدة وموضوعية تمامًا، وأن منظور الباحث وتحيزاته للعالم ستظل موجودة دائمًا في
نتائج البحث.
النموذج التحويلي Transformative paradigm - يعتقد أنصار
البحث التحويلي أن النماذج الوضعية والتفسيرية لا يصوران واقع المجتمعات المحرومة
والمهمشة بدقة. يستخدم الباحثون التحويليون عادةً كل من الأساليب النوعية والكمية
لتحديد أوجه عدم المساواة والتباينات في التفاعلات والعلاقات المجتمعية بشكل أفضل،
وتعزيز العدالة الاجتماعية، وفي النهاية تحقيق التغيير التحويلي.
الجمع بين نماذج البحث
في حين أن معظم الأبحاث تستند إلى أسس إما إيجابية (كمية) أو
تفسيرية (نوعية)، فإن بعض الدراسات تمزج بين الاثنين. على سبيل المثال، يتم
استخدام المنهجيات الكمية والنوعية بشكل روتيني جنبًا إلى جنب في دراسات علم
النفس. يُشار إلى هذه الأنواع من الدراسات إلى أنها ما يسمى البحث المختلط. إن بعض
نماذج البحث هي عبارة عن نماذج هجينة من نماذج أخرى، وغالبًا ما تتضمن جميع طرق
البحث المصاحبة. تجمع ما بعد الوضعية بين الفلسفات الوضعية والتفسيرية.
هناك خمس خطوات لإحداث نقلة نوعية.
ليست الدراسات البحثية هي الأشياء الوحيدة التي يمكن اعتبارها
ذات نماذج. يجلب الباحثون رؤيتهم للعالم إلى عملهم وينتجون أعمالًا عالية الجودة؛
عندما يدركون تأثير منظورهم على نتائجهم. إن فهم جميع أجزاء النموذج الشخصي، بما
في ذلك المعتقدات والعادات والسلوكيات، يجعل من الممكن تغيير هذا النموذج. فيما
يلي بعض الخطوات المقترحة لتغيير نظرتك الشخصية للعالم بنجاح وتحسين جودة البحث
الخاص بك 2.
1. حدد عنصر النموذج الذي ترغب في تغييره - ما هو الجانب من نظرتك للعالم الذي تريد تغييره؟ ما العادات
أو السلوكيات الخفية التي قد تتداخل مع دراستك أو حياتك؟
2. اكتب أهدافك بوضوح - حدد النتائج المرجوة الواضحة وقم بتدوينها على الورق لتثبيتها في عقلك
الباطن.
3. غيّر طريقة تفكيرك – إن تغيير أفكارك بوعي لدعم أهدافك قد يدفعك إلى إجراء التغيير المطلوب. من
بين الأنشطة المقترحة للمساعدة في ذلك، كتابة اليوميات وقراءة الكتب المحفزة وقضاء
الوقت مع الأفراد ذوي التفكير المماثل.
4. افعل أشياء غير مريحة - لإحداث تغيير حقيقي، يجب أن تخرج من منطقة الراحة الخاصة بك. سيؤدي ذلك
إلى كسر روتين عقلك الباطن وإخراجه من عاداته المعتادة ويوجهك نحو هدفك.
5. تدرب على أن تكون كما تريد - سيصبح التغيير الذي تريده قويًا وجزءًا من نموذجك الجديد؛ بمجرد الخروج من عادتك القديمة والاستمرار في تكرار السلوك الجديد من أجل ترسيخه في عقلك الباطن.