إن الحصول على درجة الدكتوراه هي واحدة من الكثير من الخيارات المتاحة لك بعد التخرج من مرحلة الماجستير. في العقود الماضية، كان من المتوقع أن يكمل أولئك الذين يفكرون جديًا في الحصول على وظيفة في المجال الأكاديمي والبحثي درجة الدكتوراه. في الواقع، لم يعد هذا الحال كما هو عليه اليوم، فقد أصبحت درجة الدكتوراه أمرًا ضروريًا للعديد من المراكز والمناصب الوظيفية، مع تطور المجالات الصغيرة المزدهرة في مختلف التخصصات؛ نتيجةً لتطلبها لمجموعة واسعة من المهارات الجديدة المكتسبة وعمليات التفكير المتنوعة.
من المحتمل
أن تسعى إلى الالتحاق ببرنامج دراسة الماجستير، أو الانضمام إلى الدورات التدريبية
المكثفة المعينة بتخصصك أو الحصول على شهادة الدبلوم العالي أو الشهادات المهنية،
كل ذلك من أجل اكتساب تلك المهارات، أو الترشح للوظيفة التي تحلم بها، أو ببساطة
لكسب المزيد من المال. ومع ذلك، غالبًا لن توفر لك أي من المساعي المذكورة أعلاه
الميزة التنافسية والكثير من الأشياء التي يمكن أن تقدمها الدكتوراه، بالرغم من أن
هذا الأمر لا يخضع إلى مقاييس ثابتة، وقد تختلف من مجال عمل إلى آخر حسب البنية
التحتية الوظيفية.
يثير هذا سؤالًا
فضوليًا لدى الكثير من طلبة الدراسات العليا اليوم؛ هل هذا يعني أن الجميع بغض
النظر عن مجال الاهتمام بالتخصص، يجب أن يتابع مسيرة تعليمه بحصوله على درجة الدكتوراه ما
بعد التخرج من الماجستير، أو الاكتفاء من الدراسة السابقة للحصول على فرص وظيفية
ملائمة؟ للإجابة على هذا، يجب علينا في بادئ الأمر فهم لماذا يتطلب علينا بصدق
إكمال درجة الدكتوراه، والنظر إلى ما إذا كانت الإجابة تدفع إلى القول بأنها لا
غني عنها حقًا وبات الحصول على الدكتوراه أمرًا ضروريًا. قد يكون الحكم متسرعًا في
إطلاق إجابات عشوائية لا تتناسب فعلًا مع طبيعة المهام والأنشطة في مرحلتك من
الحياة الحالية. لذلك، دعنا نعمل سويًا على تحديد مثل هذا الخيار الاستراتيجي
لديك، من خلال الفحص السريع لأهمية أن تكون درجة الدكتوراه تتصدر جميع مؤهلاتك
العلمية بجانب الممارسات المهنية.
تساعدك في إتقان تخصصك أو مجال موضوع من اختيارك:
تسمح لك درجة
الدكتوراه باكتساب المزيد من الخبرة العلمية والمهنية على حدٍ سواء، أو تحسين
مستوى كفاءتك في نطاق المجال الذي اخترته، إلا أنها في الوقت ذاته قد تدفعك إلى
تحديد التخصص في مجال صغير مع معرفة متعمقة بهذا المجال. ومع ذلك، هي تمنحك تجربة غنية بالمعرفة المتعمقة في التخصص.
وضع العلاقات الشخصية على المحك النهائي:
بصفتك باحثًا في درجة الدكتوراه، ينبغي ان
تتفاعل مع مجموعة متنوعة من الأشخاص، مما قد يزيد من حجم الضغوطات والتحديات من
أقرانك، بجانب ثقافة العمل، والروتين اليومي للحياة. إن مثل هذه العوامل من المرجح
أن تجعلك تحت دائرة ضوء اهتمام مشرفك لتقييمك باستمرار. تشير هذه الضغوطات إلى
مثال تشبيهي؛ تجعلك تشعر وكأنك في طنجرة ضغط على مدار اليوم، وهذا الأمر هو من
يشكل ويصوغ نقاط قوتك وضعفك. ولكن، ضع الأمر في نصابها الصحيح، أليست درجة
الدكتوراه بذل المزيد من الجهد والعناء؟ إذا كان الأمر كذلك وأنه لا مفر منه، دعنا
نعقد العزم الآن على إحداث التغيير نحو الأفضل وفتح صفحة جديدة!
العلاقات الشخصية مهمة في البحث كما هو حال أي مهنة أخرى:
في العمل، تعتمد دائمًا على زملائك في العمل أو
الخبراء أو الأكاديميين في أي وقت. يتطلب البحث متعدد التخصصات دائمًا ثقة الأقران
والسلوك الأخلاقي وضمان عدم التدخل والازدواجية في العمل البحثي. هذا شيء ستجد
نفسك تتجه إليه بشكل طبيعي خلال دراسة الدكتوراه.
تعتبر رحلة الدكتوراه مليئة بعض الشيء بالمفاجأة والتحديات:
بكل تأكيد، تختلف
دراستك لبرنامج الدكتوراه الذي تقضي فيه مدة تمتد إلى 3 سنوات وأكثر، عما
يسبقها من دراستك لبرنامج الماجستير، كما هو الحال في أي وقت مضى، أو بعض النظر عن
المدة التي قد تستغرقها. إن رحلة الدكتوراه هذه مليئة بطبيعة الحال بعض الشيء بالتحديات المعرفية والبحثية وكذلك المفاجآت، وهو ما يتطلب على طلبة الدراسات العليا اكتساب المزيد من المعرفة والمهارة للتلغب عليها.
سيكون لديك ميزة كبيرة إضافية بعد الانتهاء من الدكتوراه:
نظرًا لأنك اكتشفت إمكاناتك الحقيقية بدافع هائل
ومتعدد الأوجه، وتعلمت كل تلك المهارات الحياتية التي أبقتك واقفًا على قدميك في
المسار الأوسع، والمليء بالضغوط والإرهاق لدراسة الدكتوراه. وبالتالي، سيمنحك هذا ميزة إضافية كبيرة بمجرد الانتهاء من دراسة الدكتوراه.
اكتساب الكثير من الثقة:
في الحقيقة، تأخذ
الحياة ما بعد الدكتوراه معنى وطابعًا جديدًا. لسبب واحد، أنك تشعر بأنه لا يمكن
إيقافك، مع وفرة من الثقة والإبداع وعمليات التفكير الراسخة التي تسرع من قدرتك
على التحمل، التي طورتها وأثبتتها خلال رحلة الدكتوراه الخاصة بك جديرة بالاهتمام
ومثمرة.
تكتسب مهارات حياتية لا مثيل لها:
يشير هذا إلى تعزيز مهارات الذكاء العاطفي مثل
الصبر والتحمل والتفاؤل. تنتج دراسات الدكتوراه بشكل ثانوي ومحدد مناهج منطقية
وتحليلية لتحديات الحياة. أنت تطور مهارات حياتية لا تقبل المنافسة. بهذا، أشير
إلى المهارات التي تضيف إلى ذكائك العاطفي.
تكتسب فهمًا للعقل البشري والجسد المرونة:
هناك مقولات علمية شهيرة مفادها أن "العقل
فوق الجسد". ومع ذلك، من الناحية العلمية فإن الأمر يبدو مثبتًا، بالنظر إلى
حقيقة تشير إلى أن الجسد يحد من العقل والعلم. يبدأ المرء في إدراك الحقيقة
المطلقة وراء ذلك، خاصةً عندما تستهلك درجة الدكتوراه، في ظل ما قد يجده جسمك من
الشعور بالتعب / الإصابة بالمرض/ المعاناة من مشكلات الصحة العقلية مثل القلق أو
الشك الذاتي أو الاكتئاب. يوضح هذا الفهم كيفية تفاعل العقل مع الجسد، لا سيّما
أثناء السعي الأكاديمي طويل الأمد، وهذا يعتبر أداة قيمة ستجعلك بلا شك أكثر حكمة
ونضجًا.
تبدأ في فهم أهمية أو قيمة الرعاية الذاتية والرفاهية:
بالطبع، إن الحصول على درجة الدكتوراه أمر صعب،
بل شاقًا وقاسيًا في بعض الأحيان، ويتطلب منك دفع نفسك إلى ما هو أبعد من حدودك
الجسدية والعقلية والعاطفية والمعتادة. بحلول عامك الثالث في دراسة الدكتوراه،
ستواجه حقيقة المعنى العميق للرعاية الذاتية وحب الذات. هذا تعلم أساسي لأن ما هو
العدف من التعليم والعمل إذا لم تتعلم تقدير نفسك أولًا؟
تفتح الدكتوراه أيضًا الباب أمام التأمل الروحي:
الدكتوراه هي الخطوة الأولى نحو تحقيق الذات
للمهتمين بمعنى الحياة والفلسفة والرعاية الذاتية. من الصعب تحديد مفهوم دقيق
للذكاء الروحي، إلا أنه يمكن أن تقود رحلة الدكتوراه شخصًا ذكيًا عاطفيًا لبدء
الافكار حول الذكاء الروحي، والذي يعد منصة مثالية للاضطراب الإيجابي للفرد.
هذا يقودنا الآن
إلى النظر إلى السؤال التالي؛ هل تعد درجة الدكتوراه ضرورية للجميع؟ أود أن أقول
بالتأكيد نعم! فقط إذا كنت منفتحًا على الخيارات الوظيفية المتعددة التي يشرع
البحث الباب أمامها.
كثير من الناس
لديهم طموحات وأهداف واسعة النطاق منذ الطفولة، على أمل أنهم في يوم ما سيسعون إلى
تحقيق مهنة محددة. إذا كنت تندرج تحت هذه الفئة، فإن النصيحة الأهم التي نقدمها لك
هي رسم مسار واضح للتعليم والتدريب والعمل. على سبيل المثال، إذا كنت تطمح إلى
الحصول على وظيفة خدمية أو تطمح لشغل منصب حكومي معين، ولا تتطلب مرشحين مؤهلين
لدرجة الدكتوراه، فيمكنك توفير الوقت والجهد من خلال التركيز على التدريب
والممارسة المهنية كخيارٍ أول قبل التفكير في الحصول على الدكتوراه، فمن المحتمل
ألا تضيف الدكتوراه لك شيئًا في هذه المرحلة من المهنة أكثر من تطوير مهارتك
وخبرتك المهنية. بدلًا من ذلك، إن كان مسار طموحك يتعلق بالجانب البحثي
والأكاديمي، فبكل تأكيد لا مفر من خيارك في الحصول على الدكتوراه، لمواصلة رحلتك
في هذا المضمار العلمي.
توفر درجة
الدكتوراه تلك الفترة ذات القيمة المضافة والجديرة بالاهتمام لحياتك، وتمكينك
بالمعرفة العلمية لتخطيط المشروع، والتوصل إلى استراتيجيات فعالة لتنفيذها بشكل
مدروس وهادف.
بالنسبة لأولئك الذين لديهم موقف يشبه أن يكونوا قياديين أو ريادي أعمال أو مبادري في تصميم البرامج، فإن درجة الدكتوراه توفر تلك الفترة ذات القيمة المضافة والجديرة بالاهتمام لحياتك، وتمكينك بالمعرفة العملية لتخطيط المشروع والتوصل إلى استراتيجيات فعالة لتنفيذها بشكل مدروس وهادف. كلمة أخيرة، فقط حتى لا تكون عينك مليئة بالنجوم، اسمحوا لنا بأن نضيف القول أن درجة الدكتوراه في أي مجال معين تتطلب التزامًا خاصًا إلى حد ما؛ إنها بمثابة عقد القران الدائم الذي تبرمه، وليس في حد ذاته اتفاقًا.