يعد الإثنوغرافيا نوعًا من
البحث النوعي، الذي يستلزم الانغماس التام في مجتمع أو منظمة معينة، من أجل مراقبة
سلوكياتهم وتفاعلاتهم عن كثب. يشير أيضًا اسم "الإثنوغرافيا" إلى
التقرير المكتوب للبحث الذي يقدمه عالم الإثنوغرافيا فيما بعد.
من الممكن الحصول على فهم
عميق وشامل للثقافة المشتركة للمجموعة والتقاليد والاتفاقيات والديناميكيات
الاجتماعية، من خلال نهج البحث المرن للإثنوغرافيا. ولكن، إن هذا النهج ينطوي
أيضًا على بعض التحديات العملية والأخلاقية.
لماذا تُستخدم الإثنوغرافيا؟
نشأت الأبحاث الإثنوغرافية
في مجال الأنثروبولوجيا، وعادةً ما تضمنت قضاء عالم الأنثروبولوجيا وقتًا كبيرًا
في الإقامة مع سكان قبليين نائيين لفترة أطول من الزمن، كجزء من البحث الإثنوغرافي
من أجل فهم ثقافتهم بشكل أفضل.
تستغرق الدراسات من هذا
النوع سنوات حتى تكتمل. على سبيل المثال، لقد أمضى كولين إم تورنبول Colin M. Turnbull، ثلاث سنوات مقيمًا بين شعب مبوتي Mbuti، أثناء البحث وكتابة الإثنوغرافيا
الكلاسيكية The
Forest People.
إن الإثنوغرافيا اليوم هي
نهج مستخدم على نطاق واسع عبر مجموعة من مجالات العلوم الاجتماعية، وليس مجرد
الأنثروبولوجيا فحسب. يتم استخدامه ليس فقط لاستكشاف الثقافات البعيدة أو غير
المألوفة، ولكن أيضًا لدراسات مجموعات اجتماعية معينة داخل مجتمع الباحث نفسه.
على سبيل المثال، تم
استخدام البحث الإثنوغرافي (المعروف أيضًا باسم مراقبة المشاركين) للتحقيق في
مشجعي كرة القدم والعاملين في مركز الاتصال وضباط الشرطة.
مزايا الإثنوغرافيا
إن الميزة الأساسية
للإثنوغرافيا هي أنها تتيح للباحث مراقبة ثقافة المجموعة وممارساتها عن قرب. إنها
طريقة فعالة للتعلم المباشر عن سلوكيات الناس وتفاعلاتهم في سياق أو بيئة معينة.
عن طريق الانغماس في بيئة
اجتماعية، قد تتمكن من الوصول إلى معلومات أكثر دقة، وتراقب تلقائيًا الديناميكيات
المرتجلة، التي لم تكن لتكتشفها بمجرد طرح التساؤلات.
إن الإثنوغرافيا هي طريقة
قابلة للتكيف ومنفتحة ومرنة أيضًا. يسعى هذا النهج إلى تقديم وصف سردي شامل لثقافة
معينة، مما يسمح لك بفحص مجموعة متنوعة من خصائص المجموعة والمكان والإطار، بدلًا
من محاولة التحقق من صحة نظرية عامة أو اختبار فرضية.
مساؤى الإثنوغرافيا
إن الإثنوغرافيا هي طريقة
مكثفة تستغرق جهدًا ووقتًا أطول. يجب أن تخطط لقضاء بضعة أسابيع على الأقل، ولكن
ربما عدة أشهر، في الانغماس في البيئة وجمع ما يكفي من الملاحظات لإنشاء صورة
شاملة. قد يشكل هذا الانغماس المطول تحديًا صعبًا ويتطلب تخطيطًا دقيقًا.
يمكن أن تتعرض البحوث
الإثنوغرافية إلى خطر تحيز المراقب في البحث. تتضمن كتابة الإثنوغرافيا تفسيرًا
شخصيًا للباحث، لذا قد يكون من الصعب الحفاظ على المسافة المناسبة لتقييم المجموعة
التي انخرط بها.
غالبًا ما تكون الأخلاقيات
عاملًا مهمًا آخر يجب أخذه في الاعتبار: على سبيل المثال، حول كيفية الكشف عن دور
مشاركتك لأعضاء المجموعة، أو حول طريقة مراقبة المعلومات الحساسة والإبلاغ عنها.
هل يجب استخدام الإثنوغرافيا في البحث؟
إذا كنت طالبًا ترغب في
استخدام البحث الإثنوغرافي في رسالتك أو أطروحتك البحثية، فمن الأجدر أن تفكر فيما
إذا كان هذا النهج هو الأفضل بالنسبة لك:
• هل يمكن جمع البيانات
التي تحتاجها بطريقة أخرى (مثل الاستطلاع أو المقابلات)؟
• ما مدى صعوبة الوصول إلى
المجتمع الذي تريد دراسته؟
• ما هي الخطوات التي
ستتخذها لإجراء بحثك بالضبط، وما مدى الوقت المتاح لذلك؟
• ما هي المعضلات أو
القضايا الأخلاقية التي قد تظهر؟
إذا قررت القيام بالبحث
الإثنوغرافي، فيُنصح عادةً باختيار مجموعة صغيرة بشكل معقول ويمكن الوصول إليها
بسهولة، للتأكد من إمكانية إكمال البحث في فترة زمنية محدودة.
مناهج مختلفة لإجراء البحوث الإثنوغرافية
تساعد ثلاث مناهج رئيسية في
الإثنوغرافيا في توجيه منهجية الباحث هي: الإعدادات المفتوحة مقابل المغلقة،
والإثنوغرافيا العلنية مقابل السرية، والملاحظة النشطة مقابل الملاحظة السلبية. كل
نهج من هؤلاء المناهج له مزاياه وعيوبه الخاصة به.
الإعدادات المفتوحة مقابل المغلقة
يمكن أن يكون إعداد
الإثنوغرافيا الخاص بك - البيئة التي ستراقب فيها المجتمع الذي اخترته في العمل -
إما مكانًا مفتوحًا أو مغلقًا. لا توجد قيود رسمية على الدخول في الأماكن المفتوحة
أو العامة. على سبيل المثال، خذ بعين الاعتبار مجتمع من الأشخاص يعيشون في حي
معين، أو مشجعي فريق بيسبول معين.
ليس من الصعب للغاية الوصول
الأولي إلى المجموعات المفتوحة. ومع ذلك، قد يكون من الأصعب الاندماج في مجموعة
أقل تحديدًا. في حين يعد الوصول إلى مساحة مغلقة أو خاصة أكثر صعوبة. يمكن أن تكون
هذه على سبيل المثال شركة أو مدرسة أو طائفة معينة.
يتم رسم حدود المجموعة
المعلقة جيدًا وبوضوح، ويمكن للأثنوغرافي الانغماس تمامًا في تلك البيئة. وعلى
الرغم من ذلك، إن هذا الوصول أكثر صعوبة، حيث قد يضطر الباحث الأثنوغرافي إلى
مراجعة بعض الطرق أو شغل منصب أو دورًا ما في المنظمة.
الإثنوغرافيا العلنية مقابل السرية
عادةً ما يكون البحث
الإثنوغرافي علنيًا، حيث يبلغ الباحث الإثنوغرافي صراحةً بأهدافه ويعترف بدوره في
نهج علني لأعضاء المجموعة التي تتم دراستها من قبله. نظرًا لأن المشاركين يمكنهم
إعطاء الموافقة المستنيرة، فغالبًا ما يتم اختيار الإثنوغرافيا الصريحة وتفضيلها
لأسباب أخلاقية.
ومع ذلك، عندما يدرك
المشاركون أنهم يخضعون للبحث، فقد يتصرفون بشكل مختلف. يمكن أن تكون الإثنوغرافيا
سرية في بعض الأحيان. هذا يعني أن الباحث يختلق سببًا مختلفًا لوجوده معهم، بدلًا
من إخبار المشاركين بأبحاثه التي يجريها.
تتيح الإثنوغرافيا السرية
للباحثين الوصول إلى الأماكن التي لا يسمح بها مجموعة السكان عادةً. ولكن، قد
يُنظر إلى إخفاء دور أو موقف الباحث على أنه غير أمين وغير أخلاقي ويعتبر مخادعًا.
الملاحظة النشطة مقابل الملاحظة السلبية
قد تكون درجات مختلفة من
الانغماس في المجتمع مناسبة اعتمادًا على الموقف. اعتمادًا على احتياجات بحثهم
والسياق المحدد، فقد يكون الباحثين الأثنوغرافيين مشاركين أكثر نشاطًا أو سلبيًا. يتمثل
الدور النشط في بذل جهد للاندماج التام، وأداء المهام والمشاركة في الأحداث
والأنشطة مثل أي عضو آخر في المجتمع.
قد تساعد المشاركة النشطة
المجموعة على الشعور براحة أكبر حول وجود الإثنوغرافي معهم، ولكنه يحمل في طياته
خطر التدخل في كيفية الأداء المنتظم للمجتمع بشكل طبيعي. في حين أن الدور السلبي
هو الذي يقف فيه الباحث الأثنوغرافي بعيدًا عن المشاركة في أنشطة الآخرين، حيث
يتصرف كمراقب ويمتنع عن الانخراط في الأنشطة المجتمعية.
تتيح الملاحظة السلبية
مساحة أكبر للمراقبة اليقظة وتدوين الملاحظات. ومع ذلك، يمكن لأعضاء المجموعة
التصرف بشكل غريب؛ إذا اعتقدوا أن هناك شخصًا خارجيًا يراقبهم. على الرغم من أنهم
يفضلون عادةً، يجب أن يكون علماء الإثنوغرافيا قابلين للتكيف من حيث مقدار
مشاركتهم. على سبيل المثال، قد يعتمد الوصول إلى المجتمع على المشاركة في أنشطة
محددة، أو ربما تكون هناك ممارسات وطقوس محددة لا يمكن للأشخاص الغرباء المشاركة
فيها.
الوصول إلى المجتمع
تعتبر مسألة الوصول إلى
المجتمع أمرًا بالغ الأهمية لدى علماء الإثنوغرافيا. يمكن الوصول إلى سياق
إثنوغرافيا معين بدرجات متفاوتة من الصعوبة: يعد حضور مباريات الفريق والاختلاط
بالجماهير والتحدث معهم مكانًا جيدًا للبدء، إذا كنت ترغب في التواصل مع مشجعي
فريق رياضي معين.
يمكنك أن تطلب الإذن من
إدارة شركة معينة، لإجراء دراسة هناك من أجل الوصول إلى موظفيها. بدلًا من ذلك،
يمكنك إجراء دراسة إثنوغرافية سرية لمجموعة أو منظمة تشارك فيها وتكون بالفعل
جزءًا منها أو تعمل بها. إن المرونة أمر حاسم في هذه الحالة أيضًا؛ إذا تعذر
الوصول إلى البيئة المرغوبة، فيجب على الأثنوغرافي التفكير في البدائل، التي قد
تسفر عن معلومات ذات قيمة على الأقل وقابلة للمقارنة.
على سبيل المثال، إذا كنت
ترغب في مراقبة الموظفين في شركة مصرفية أو تمويل معينة، ولكن لم تتمكن من الحصول
على إذن، فيمكنك البحث عن بدائل من نفس النوع مثل أعمال شركات التجارية الأخرى. قد
يحتاج العثور على طريقة عملية للإثنوغرافيا إلى عدة محاولات؛ لأنها نهج بحث دقيق
وحساس.
العمل مع المخبرين
تنطوي جميع الإثنوغرافيا
على استخدام المخبرين. هؤلاء هم الأشخاص المشاركون في المجموعة المعينة، والذين
يعملون كنقاط اتصال رئيسية للباحث، مما يسهل الوصول إلى المجموعة ويساعد على فهمها
بشكل أفضل.
قد يكون هذا مسؤولًا رفيع
المستوى في شركة ما يمنحك إمكانية الوصول إلى موظفيها، أو عضوًا في مجتمع يرعى
دخولك إلى هذا المجتمع، ويقدم إرشادات ونصائح حول كيفية التأقلم معه. لكن، إذا
بدأت في الاعتماد بشكل كبير على مخبر واحد، فإنك تخاطر بالتأثير على وجهة نظرهم
حول المجتمع، والتي قد لا تمثل المجموعة ككل.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن
للمخبر محاولة إظهار ما يعتقد أنك تريد رؤيته، بدلًا من تقديم نوع المعرفة العفوية
التي يقدرها علماء الإثنوغرافيا. من الجيد أن يكون لديك مجموعة متنوعة من جهات
الاتصال داخل المجموعة لهذا السبب.
مراقبة المجموعة وتدوين الملاحظات
إن التركيز الرئيسي
للإثنوغرافيا هو مراقبة المجموعة من داخلها. يتم جمع الملاحظات الميدانية لتوثيقها
أثناء الانعماس في البيئة، حيث تعمل هذه الملاحظات كإطار عمل للإثنوغرافيا
المكتوبة النهائية. عادةً ما تكون مكتوبة بخط اليد، ولكن هناك خيارات أخرى مثل
التسجيلات الصوتية، التي قد تكون بدائل مفيدة وأكثر عملية.
يتم تدوين الملاحظات
الميدانية وتسجل جميع المعلومات المهمة ذات الصلة، بما في ذلك الأحداث والظواهر
التي تمت ملاحظتها، والمناقشات، والتحليل الأول. على سبيل المثال، إذا كنت تفحص
كيفية تفاعل موظفي الخدمة مع العملاء، فيجب عليك كتابة أشيء تلاحظه جول هذه
التفاعلات، من لغة جسد، والكلمات المستخدمة بشكل متكرر، والاختلافات والتشابهات
بين الموظفين، وردود فعل العملاء.
مثال على الملاحظات الميدانية
لقد أمضيت فترة ما بعد
الظهيرة في الملاحظة والمقارنة بين أساليب خدمة العملاء المستخدمة من قبل مختلف
الموظفين خلف الكاونتر. تتفاعل سميرة مع العملاء أكثر من غيرها، فهي تشاركهم في
محادثة، وتميل إلى الابتسام والضحك. بينما يعتبر ماثيو أكثر حيادية؛ عندما قال
العميل مزحة في وقت سابق، ابتسم بشكل رسمي وبأدب، لكنه لم يتفاعل واختار عدم
مواصلة المحادثة. لا يبدو أن العميل منزعجًا بشكل ملحوظ.
لا بأس أيضًا من تدوين
الأشياء أو العناصر التي تلاحظها، والتي لم يتم تناولها على وجه التحديد في بحثك؛
أي شيء تلاحظه يمكن أن يكون مناسبًا أو ذا صلة في المستقبل، ويفضل أن يكون لديك
ملاحظات إضافية قد تتجاهلها في وقت لاحق، بدلًا من أن يكون لديك بيانات مفقودة.
يجب أن تكون الملاحظات
الميدانية شاملة ومفهومة بقدر الإمكان. من الأهمية بمكان قضاء بعض الوقت في مراجعة
ملاحظاتك، وإضافة المزيد من المعلومات المفصلة حولها، وإبقائها منظمة بما في ذلك
التفاصيل مثل التواريخ والمواقع.
كتابة الإثنوغرافيا
لا تزال كتابة الملاحظات في
الإثنوغرافيا ضرورية بعد الانتهاء من تدوينها. للقيام بذلك، يجب عليك مراجعة
الملاحظات الميدانية الخاصة بك، وإنشاء وصف جيد ومقنع للسلوكيات والديناميكيات
التي لوحظت.
الهيكل التنظيمي للإثنوغرافيا
يمكن كتابة الإثنوغرافيا
بعدة طرق مختلفة: على سبيل المثال، قد تكون عبارة عن مقالة أو أطروحة بحثية أو
كتابًا بأكمله.
غالبًا لا تتبع
الإثنوغرافيا الهيكل أو الشكل التقليدي للدراسة العلمية، على الرغم من أنها مثل
معظم النصوص الأكاديمية، يجب أن تحتوي على مقدمة وخاتمة. على سبيل المثال، تبدأ
هذه الورقة البحثية بتحديد السياق التاريخي للبحث، ثم تركز على موضوعات عديدة
واحدة تلو الأخرى قبل التوصل إلى استنتاج.
ومع ذلك، لا يزال من الممكن
استخدام بنية أكثر تقليدية، خاصةً عندما يتم دمج الإثنوغرافيا مع طرق البحث
الأخرى. على سبيل المثال للتوضيح، تم تنظيم هذه الورقة البحثية وفقًا للتنسيق
النموذجي للبحث التجريبي: المقدمة، والأساليب، والنتائج، والمناقشة، والاستنتاج.
محتوى الإثنوغرافيا
يجب أن تهدف الإثنوغرافيا
المكتوبة إلى إقناع القارئ، بأن الملاحظات والتفسيرات التي قدمتها هي تصوير دقيق
للواقع، من خلال تقديم وصف شامل وموثوق للسياق الاجتماعي الذي اندمجت فيه.
بالمقارنة مع مناهج البحث الأخرى، غالبًا ما تتبنى الإثنوغرافيا موقفًا أو نهجًا غير شخصي بشكل أقل. في كثير من الأحيان، تحتاج الإثنوغرافيا إلى ضرورة مناقشة خبراتك ومشاعرك الفردية أثناء إجراء البحث؛ بسبب طبيعة العمل المضمنة.